مع الفوز المريح الذي حقّقه دونالد ترامب على حساب منافسته كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية, خلافاً للتقديرات التي سبقت النتيجة, تفاوتت ردود أفعال الأوساط السياسية اللبنانية, تبعاً لرهانات وحسابات كل طرف في سياق الحرب المتواصلة ومآلاتها المحتملة.
لم يكن صعباً التقاط "ذبذبات" السعادة التي غمرت بعض القوى الداخلية جرّاء عودة ترامب إلى الحُكم, مفترضةً أنّ مفاعيل وصوله ستخدم مشروعها السياسي وستؤدّي إلى استكمال الإطباق على خصومها وحلفائهم الإقليميِّين.
في المقابل, تعاملت قوى أخرى مع فوز ترامب في اعتباره سيكشف الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية, بعيداً من الأقنعة التي كانت ترتديها إدارة الحزب الديموقراطي ممثلةً بالرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس, الأمر الذي من شأنه تسهيل المواجهة أو حتى التسوية مع إدارة ترامب, خصوصاً أنّ الرئيس الجديد معروف باستعداده لكي "يبيع ويشتري" في السياسة كما في الأعمال.
والأكيد أنّ قلة من الأطراف اللبنانيِّين فقط هي التي شعرت بالأسف لخسارة هاريس, في حين أنّ الأكثرية توزّعت بين مَن "شمتَ" بها كون حزبها الديموقراطي منح التغطية والدعم لنتنياهو في حربه على غزة ولبنان فاستحقت العقاب, وبين مَن فرح لهزيمتها لأنّه لا يستسيغ "القفّازات" التي ترتديها والمساحيق التي تضعها, مفضّلاً وضوح ترامب وصراحته على "ميوعة" الديموقراطيِّين و"خبثهم".
في كل الحالات, من المهمّ أن يتواضع اللبنانيّون قليلاً في التعاطي مع الانتخابات الأميركية وفوز ترامب, فلا يبالغوا في تقدير أحجامهم وأوزانهم, ولا يتوهّموا أنّ بمقدورهم "توظيف" الإدارة الأميركية الجديدة لخدمة مصالحهم, ولعلّ التجارب الكثيرة في هذا المجال غنية بالدروس البليغة وبخيبات الأمل لمن ذهب بعيداً في رهاناته.
يبقى أنّ المهمّ الآن, من زاوية الأولويات اللبنانية, هو كيف سيتعاطى ترامب مع الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان, وهل سيضغط لوقفها أم سيتركها على غاربها؟
واستطرادا, هل سيَصدُق ترامب مع صاحب المطعم اللبناني في مدينة ديربورن في ولاية ميتشيغن, حيث أكد أمامه أنه "يعرف الكثير من الناس من لبنان ونحن بحاجة إلى إنهاء القصة هناك ونريد السلام", أم أنّه أراد فقط تخدير الناخبين اللبنانيِّين والعرب من أصل أميركي في الولاية بأوهام زائفة وآمال كاذبة من أجل كسب أصواتهم, وبعدها تمحو الأيام كلام المطاعم؟
تميل إحدى القراءات إلى الاستنتاج بأنّ الرئيس الأميركي الجديد يستعجل فعلاً إنهاء الحرب, لكن على قاعدة حسمها من خلال إلحاق الهزيمة بـ"حزب الله", وهو يأمل في أن يُنجِز الإسرائيليّون هذه المهمّة في أسرع وقت ممكن, فيبدأ ولايته بعد "التسليم والتسلّم" من مسرح جاهز, ويتحقق السلام الذي وعد به إنّما وفق المواصفات الأميركية ـ الإسرائيلية.
وتبعاً للقراءة نفسها, فإنّ اليمين الأميركي الممَثَل بترامب إلتقى الآن مع اليمين الإسرائيلي بشخص نتنياهو, وهما يتكاملان ويتماهيان في النظرة إلى الشرق الأوسط وضرورة تغيير معالمه السياسية, بعد إزالة عقبة حركات المقاومة وإضعاف إيران, ولذلك فإنّ ترامب يَدعم نتياهو تماماً ويريده أن يأخذ فرصته لمحاولة لقضاء على "حزب الله" وحركة "حماس" وحشر طهران في زاوية ضيّقة, بالتالي تمهيد الأرض أمام الرئيس الجديد ليعود إلى المنطقة من الباب العريض.
ويستبعد أصحاب هذه المقاربة أن يمنح نتنياهو إدارة بايدن التي توضّب حقائبها, تعويض "نهاية الخدمة" من خلال الموافقة على اتفاق إطلاق النار في الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس الحالي, والأرجح أنّه سينتظر تسلّم ترامب مقاليد السلطة رسمياً حتى يرتب الأمور معه, إلّا إذا فرضت تطوّرات الميدان المتصاعدة على تل أبيب أن تختصر مسار الحرب, وأن تقبل بإنهائها تحت ضغط الجبهة الداخلية والكلفة المرتفعة, استناداً إلى حل متوازن في الفترة الفاصلة عن تولّي ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل.
عماد مرمل - الجمهورية